كتاب الأطعمة
و من الأطعمة قال بعض الأصحاب : كان يحرم عليه أكل البصل و الثوم و الكراث ، ومستند ذلك ما أخرجه " عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم : أتي بقدر فيه خضرات من بقول ، فوجد لها ريحاً ، فقال لبعض أصحابه : [ كلوا ] فلما رآه كره أكلها ، قال : [ كل فإني أناجي من لا تناجي ] " و قد يشكل على هذا القائل ما حكاه الترمذي عن علي و شريك بن حنبل : أنهما ذهبا إلى تحريم البصل و الثوم النيء .
و الصحيح الذي عليه الجادة : أن ذلك ليس حراماً عليه ، بل كان أكل ذلك مكروها في حقه ، والدليل على ذلك ما رواه مسلم " عن أبي أيوب أنه : صنع لرسول الله صلى الله عليه و سلم طعاماً فيه ثوم ، فرده و لم يأكل منه ، فقال له : أحرام هو ؟ فقال : [ لا ، و لكني أكرهه ] فقال : إني أكره ما كرهت" . قال الشيخ أبو عمرو : و هذا يبطل وجه التحريم . و الله تعالى أعلم .
مسألة :
و مثل ذلك الضب ، قال صلى الله عليه و سلم : " لست بآكله و لا محرمه " أي على الناس ، و إنما أمسك عن أكله تقذراً . و قد قال له خالد : يا رسول الله ، أحرام ؟ قال : " لا و لكنه لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه " .و هكذا يكره لكل من كره أكل شيء أن يأكله ، لما روى أبو داود "عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : إن من القرف التلف " ، وقد كره الأطباء ذلك ، لما يؤدي إليه من سوء المزاج . و الله تعالى أعلم .
مسألة :
و روى البخاري " عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أما أنا فلا آكل متكئاً " ، فقال بعض أصحابنا : إن ذلك كان حرام عليه . قال النووي : و الصحيح أنه كان مكروهاً في حقه لا حراماً . قلت : فعلى هذا لا يبقى من باب الخصائص ، فإنه يكره لغيره أيضاً الأكل متكئاً ، سواء فسر الاتكاء بالاضطجاع ـ كما هو المتبادرإلى أفهام كثيرين ، لما يحصل به من الأذى ، كما نهي عن الشرب قائماً ـ أم بالتربع كما فسره الخطابي و غيره من أهل اللغة ، و هو الصحيح عند التأمل و إنعام النظر ، لما فيه من التجبر و التعاظم ، و الله تعالى أعلم .
مسألة :
قال أبو العباس بن القاص : و نهي عن الطعام الفجأة ، و قد فاجأه أبو الدرداء على طعامه فأمره بأكله ، و كان ذلك خاصاً له صلى الله عليه و سلم ، قال البيهقي : لا أحفظ النهي عن طعام الفجأة من وجه يثبت ،ثم أورد حديث أبي داود من رواية درست بن زياد ، عن أبان بن طارق ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعاً : [ من دعي فلم يجب فقد عصى الله و رسوله ، و من دخل على غير دعوة فقد دخل سارقاً ، و خرج مغيراً ] .
مسألة :
قالوا : و كان يجب على من طلب منه طعاماً ليس عنده غيره أن يبذله له ، صيانةً لمهجة النبي صلى الله عليه و سلم ، و وقاية لنفسه الكريمة بالأموال و الأرواح ، لقوله تعالى : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " .
قلت : و يشبه هذا الحديث الحديث الذي في الصحيحين : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " .
مسألة
روى البخاري " عن الصعب بن جثامة مرفوعاً : [ لا حمى إلا لله ورسوله ] ". قال بعض أصحابنا : هو مختص به . و قال بعضهم : بل يجوز لغيره لمصبحة ، كما حمى رسول الله صلى الله عليه و سلم النقبع ، و حمى عمر رضي الله عنه السرف و الربذة ، إلا ما حماه رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يجوز تغييره بحال .
و من ذلك الهبة
مسألة :
كان يقبل الهدية و يثيب عليها ، ثبت ذلك في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها ، و ما ذاك إلا لما يرجو من تأليف قلب من يهدي إليه ، بخلاف غيره من الأمراء ، فإنه قد صح الحديث أن هدايا العمال غلول ، لأنها في حقهم كالرشى لوجود التهمة ، و الله تعالى أعلم .
مسألة :
قال زكريا بن عدي حدثنا ابن المبارك ، عن الأوزاعي ، عن ابن عطاء ـ قال زكريا : أراه عمر ـ عن ابن عباس في قوله تعالى : " وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله " قال : هو الربا الحلال ، أن يهدي يريد أكثر منه ، فلا أجر فيه و لا وزر . و نهي عن النبي صلى الله عليه و سلم خاصة : " ولا تمنن تستكثر " . رواه البيهقي عن الحاكم . و غيره عن الأصم ، عن محمد بن إسحاق ، عن زكريا . و هو أثر منقطع ، إن كان عمو بن عطاء هو ابن وراز ، و هو ضعيف أيضاً ، و إن كان ابن أبي الخوار فقد روى له مسلم ، وقد روى عن ابن عباس ، و لكن الأمر فيه مبهم .