فتح فدك
ولما بلغ أهل فدك ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم بأهل خيبر ، بعثوا إليه يطلبون الصلح فأجابهم ، فكانت مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل و لا ركاب ، فوضعها صلى الله عليه و سلم حيث أراه الله عز وجل ، ولم يقسمها .
فتح وادي القرى
و رجع إلى المدينة على وادي القرى فافتحه ، و قيل : إنه قاتل فيه . فالله أعلم . و في الصحيحين أن غلاماً لرسول الله صلى الله عليه و سلم يدعى مدعماً ، بينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ جاءه سهم غرب فقتله ، فقال الناس : هنيئاً له الشهادة يا رسول الله ، " فقال : كلا و الذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً " .
عمرة القضاء
ولما رجع صلى الله عليه و سلم إلى المدينة أقام بها إلى شهر ذي القعدة فخرج فيه معتمراً عمرة القضاء التي قاضى قريشاً عليها . و منهم من يجعلها قضاء عن عمرة الحديبية حيث صد . و منهم من يقول عمرة القصاص . و الكل صحيح .
فسار حتى بلغ مكة فاعتمر وطاف بالبيت ، و تحلل من عمرته ، و تزوج بعد إحلاله بميمونة بنت الحارث أم المؤمنين . و تمت الثلاثة أيام ، فبعث إليه المشركون علياً رضي الله عنه يقولون له : اخرج من بلدنا . " فقال : ( و ما عليهم لو بنيت بميمونة عندهم ؟ ( فأبو عليه ذلك " . و قد كانوا خرجوا من مكة حين قدمها صلى الله عليه و سلم عداوة و بغضاً له .
فخرج عليه الصلاة والسلام فبنى بميمونة بسرف و رجع إلى المدينة مؤيداً منصوراً .
بعث مؤتة
و لما كان في جمادى الآخرة من سنة ثمان بعث صلى الله عليه و سلم الأمراء إلى مؤتة ، وهي قرية من أرض الشام ، ليأخذوا بثأر من قتل هناك من المسلمين . فأمر على الناس زيد بن حارثة مولاه صلى الله عليه و سلم " و قال : إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة " .
فخرجوا في نحو من ثلاثة آلاف ، و خرج صلى الله عليه و سلم معهم يودعهم إلى بعض الطريق ، فساروا حتى إذا كانوا بمعان بلغهم أن هرقل ملك الروم قد خرج إليهم في مائة ألف و معه مالك بن زافلة في مائة ألف أخرى من نصارى العرب من لخم و جذام و قبائل قضاعة من بهراء و بلي ، و بلقين فاشتور المسلمون هناك و قالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا بأمره أو يمدنا . فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه : يا قوم ! و الله إن الذي خرجتم تطلبون : أمامكم ـ يعني الشهادة ـ و إنكم ما تقاتلون الناس بعدد و لا قوة ، و ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا، فهي إحدى الحسنيين : إما ظهور ، و إما شهادة . فوافقه القوم ، فنهضوا . فلما كانوا بتخوم البلقاء لقوا جموع الروم فنزل المسلمون إلى جنب قرية مؤتة ، و الروم على قرية يقال لها مشارف ، ثم التقوا فقاتلوا قتالا عظيماً.
و قتل أمير المسلمين زيد بن حارثة رضي الله عنه و الراية في يده ، فتناولها جعفر ، ونزل عن فرس له شقراء فعقرها ، و قاتل حتى قطعت يده اليمنى ، فأخذ الراية بيده الأخرى فقطعت أيضاً ، فاحتضن الراية ثم قتل رضي الله عنه عن ثلاث وثلاثين سنة على الصحيح . فأخذ الراية عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله عنه ، وتلوم بعض التلوم ثم صمم و قاتل حتى قتل ، فيقال : إن ثابت بن أقرم أخذ الراية و أراد المسلمون أن يؤمروه عليهم فأبى ، فأخذ الراية خالد بن الوليد رضي الله عنه فانحاز بالمسلمين ، و تلطف حتى خلص المسلمون من العدو ،ففتح الله على يديه كما أخبر بذلك كله رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه الذين بالمدينة يومئذ و هو قائم على المنبر ، فنعى إليهم الأمراء ، واحداً واحداً و عيناه تذرفان صلى الله عليه و سلم ، والحديث في الصحيح . و جاء الليل فكف الكفار عن القتال .
و مع كثرة هذا العدو و قلة عدد المسلمين بالنسبة إليهم لم يقتل من المسلمين خلق كثير على ما ذكره أهل السير ، فإنهم لم يذكروا فيما سموا إلا نحو العشرة . و كر المسلمون راجعين ، ووقى الله شر الكفرة وله الحمد والمنة ، إلا أن هذه الغزوة كانت إرهاصاً لما بعدها من غزو الروم ، و إرهاباً لأعداء الله و رسوله .