بعث الرجيع
ثم بعث صلى الله عليه و سلم بعد أحد بعث الرجيع ، و ذلك في صفر من السنة الرابعة ، و ذلك أنه صلى الله عليه و سلم بعث إلى عضل و القارة بسؤالهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك حين قدموا عليه و ذكروا أن فيهم إسلاماً ، فبعث ستة نفر في قول ابن إسحاق ، و قال البخاري في صحيحه كانوا عشرة . و قال أبو القاسم السهيلي : و هذا هو الصحيح . و أمر عليهم مرثد بن أبي االغنوي رضي الله عنهم . و منهم خبيب بن عدي ، فذهبوا معهم ، فلما كانوا بالرجيع ، و هو ماء لهذيل بناحية الحجاز بالهدأة غدروا بهم ، واستصرخوا عليهم هزيلاً ، فجاؤوا فأحاطوا بهم فقتلوا عامتهم ، و استأسر منهم خبيب بن عدي و رجل آخر و هو زيد بن الدثنة فذهبوا بهما فباعوهما بمكة ، وذلك بسبب ما كانا قتلا من كفار قريش من يوم بدر . فأما خبيب رضي الله عنه فمكث عندهم مسجوناً ثم أجمعوا لقتله فخرجوا به إلى التنعيم ليصلبوه فاستأذنهم أن يصلي ركعتين فأذنوا له : فصلاهما ثم قال : و الله لولا أن تقولوا أن ما بي جزع لزدت ، ثم قال :
و لست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان لله مصرعي
و ذلك في ذات الإله و إن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم و كلوا به من يحرسه ، فجاء عمرو بن أمية فاحتمله بخدعة ليلاً فذهب به فدفنه .
و أما زيد بن الدثنة رضي الله عنه فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه .
و قد قال له أبو سفيان : أيسرك أن محمداً عندنا تضرب عنقه ، و أنك في أهلك ؟ فقال : و الله ما يسرني أني في أهلي و أن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه .
بعث بئر معونة
و في صفر هذا بعث إلى بئر معونة أيضاً ، و ذلك أن أبا براء عامر بن مالك المدعو ملاعب الأسنة ، قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فدعاه إلى الإسلام فلم يسلم و لم يبعد . فقال : يا رسول الله لو بعثت أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى دينك لرجوت أن يجيبوهم ، فقال : إني أخاف عليهم أهل نجد ، فقال أبو براء : أنا جار لهم .
فبعث صلى الله عليه و سلم فيما قاله ابن إسحاق أربعين رجلاً من الصحابة ، و في الصحيحين سبعين رجلاً ، وهذا هو الصحيح . و أمر عليهم المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة ، و لقبه المعنق ليموت رضي الله عنهم أجمعين ، و كانوا من فضلاء المسليمن و سادتهم و قرائهم ، فنهضوا فنزلوا بئر معونة ، وهي بين أرض بني عامر و حرة بني سليم ، ثم بعثوا منها حرام بن ملحان أخا أم سليم بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل ، فلم ينظر فيه ، و أمر به فقتله رجل ضربه بحربة ، فلما خرج الدم قال : فزت و رب الكعبة . و استنفر عدو الله عامر : بني عامر إلى قتال الباقين ، فلم يجيبوه ، لأجل جوار أبي براء ، فاستنفر بني سليم فأجابته عصية و رعل و ذكوان ، فأحاطوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم رضي الله عنهم ، إلا كعب بن زيد من بني النجار فإنه ارتث من بين القتلى ، فعاش حتى قتل يوم الخندق .
و كان عمرو بن أمية الضمري و المنذر بن محمد بن عقبة في سرح المسلمين ، فرأيا الطير تحوم على موضع الوقعة ، فنزل المنذر بن محمد هذا فقاتل المشركين حتى قتل مع أصحابه ، وأسر عمرو بن أمية ، فلما أخبر أنه من مضر جز عامر ناصيته و أعتقه فيما زعم عن رقبة كانت على أمه .
و رجع عمرو بن أمية ، فلما كان بالقرقرة من صدر قناة نزل في ظل ، و يجيء رجلان من بني كلاب ، و قيل من بني سليم فنزلا معه فيه ، فلما ناما فتك بهما عمرو و هو يرى أنه قد أصاب ثأراً من أصحابه ، وإذا معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يشعر به ، فلما قدم أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بما فعل ، قال : [ لقد قتلت قتيلين لأدينهما ] . و كان هذا سبب غزوة بني النضير كما ورد هذا في الصحيح .