دولة المماليك في دلهي
وكان أول سلاطينها " قطب الدين أيبك " بعد موت سيده. وقد اشتهر عنه تمسكه بتعاليم الإسلام، ويظهر ذلك بوضوح في عدائه الشديد لنظام الطبقات الذي كان سائداً في الهند، ومعاملته للناس على أساس المساواة التي ينص عليها الإسلام. وينسب لأيبك في دلهي مسجد عظيم أسماه " قوة إسلام "، ويبلغ ارتفاع مئذنته 250 قدم، وهي تعد أطول منارة في العالم، ولا تزال قائمة إلى اليوم وتعرف باسم " قطب مينار" أي منارة قطب " وتمتاز بنقوشها وزخارفها ذات الطابع العربي والهندي.
وانتهى حكم أيبك على هندستان في سنة 608 هـ (1210م) وذلك على أثر سقوطه من على فرسه. أثناء لعبة الكرة أو البولو- جوكان- فتوفي على الأثر. وخلفه أحد مماليكة البارزين وزوج ابنته " شمس الدين التتم"الذي سار سيرة حسنة في رعيته، واشتد في رد المظالم وأنصاف المظلومين. فيؤثر عنه أنه أمر أن يلبس كل مظلوم ثوباً مصبوغاً. وأهل الهند جميعا يلبسون البياض، فكان إذا قعد للناس أو ركب، فرأى أحداً عليه ثوب مصبوغ نظر في قضيته وأنصفه ممن ظلمه.
وبلغ فوز السلطان، " التتمش " أقصى مداه حينما اعترف به خليفة بغداد المستنصر بالله العباسي، سلطان على الهند، وبعث له بالتقليد والخلع والألوية في سنة 626 هـ (1229 م)، فأصبح (التتمش " بذلك أول ملك في الهند تسلم مثل هذا التقليد. ومنذ ذلك التاريخ ضرب "التتمش "نقودا فضية نقش عليها اسم الخليفة العباسي بجوار اسمه. ويعتبر هذا العمل شيئا جديداً على نظام العملة الهندية، إذ كان الحكام المسلمون قيل ذلك يضربون نقوداً معدنية صغيرة على غرار النقود الوطنية، تنقش عليها أشكال مألوفة لدى الهنود، "كثور سيفا" مثلاً، كما كانت أسماء الفاتحين تكتب بحروف هندية في غالب الأحيان. "فالتتمش " يعتبر إذن أول من ضرب نقودا فضية خالصة في الهند.
وتوفي السلطان "التتمنثى"سنة 634 هـ (1236 م) ولم تكن هناك شخصية صالحة للملك من بعده سوى شخصية ابنته "رضية الدين " التي فضلها أبوها على أخوتها الذكور لذكائها وحسن إسلامها، وقد سماها مؤرخو الهند باسم "ملكة دوران بلقيس جهان " أي فتنة العالم. وقد بذلت هذه السلطانة جهوداً عظيمة في إدارة شئون الدولة، ولكنها اصطدمت في النهاية بمجلس أمراء المماليك الذين حقدوا عليها بسبب زواجها من فارس حبشي، فثاروا ضدها، وانتهى الأمر بقتلها سنة 638 هـ ( 1240 م) بعد حكم دام أربع سنوات، فكانت نهايتها تشبه نهاية السلطانة "شجرة الدر" التي حكمت مصر بعدها بعشر سنوات، وانتهى أمرها بالقتل أيضا سنة 648 هـ (1250 م).