قيام الديمقراطيات والحركات القومية. أثرت الديمقراطية والحركات القومية على معظم أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، فالشعور بالقومية مثلاً أدى إلى قيام دول جديدة ذات طابع قومي، كما أن أثر هاتين القوتين القومية والديمقراطية أدى أحيانًا إلى اندلاع ثورات ضد النُّظُم القديمة. من ذلك الثورة الأمريكية التي بدأت في أبريل عام 1775م للمطالبة بمزيد من الحرية والاستقلال، والتي كانت في أساسها ثورة ضد بريطانيا وضد محاولاتها إحكام سيطرتها على مستعمراتها الأمريكية. وكان من نتائج هذه الثورة ظهور شعب جديد ـ هو الشعب الأمريكي ـ وإقامة كيان سياسي جديد، هو الولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت الثورة الفرنسية (1789م) مثالاً آخر للثورة على النظام القديم. وكان لانتشار الفكر الديمقراطي والفكر القومي، أثر واضح في قيام تلك الثورة التي عملت على إنهاء النظام القديم، وإعلان حقوق الإنسان والتمسك بمبدأ الحرية، بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما أقامت أول جمهورية فرنسية.
في عام 1804م أطاح نابليون بونابرت بالحكومة الثورية، وأعلن نفسه إمبراطورًا على فرنسا وممتلكاتها، وقد تمت له السيطرة على معظم أوروبا، لكنه تعرض لنكسة عندما فقد معظم جيشه في محاولاته غزو روسيا عام 1812م، وتعرض نابليون لهزيمة أخرى من قوات أوروبا المتحدة في معركة واترلو عام 1815م، مُنْهِية بذلك محاولته حكم أوروبا.
حاول بعض ساسة أوروبا الحد من انتشار فكر الثورة الفرنسية في أوروبا، فعقدوا لذلك مؤتمر فيينا الذي كان من نتائجه إعادة الحكم الملكي في إيطاليا وأسبانيا وأماكن أخرى، وكان نابليون قد أطاح بالملكية فيها، كما أعاد مؤتمر فيينا الحكم الملكي لفرنسا ذاتها. ولكن المؤتمر فشل بعد كل ذلك في إيقاف تيار الليبرالية والقومية على المدى البعيد.
بحلول عام 1808م عرفت أوروبا الدساتير، فكان لمعظم دولها دستور يحكمها، كما أن إيطاليا وألمانيا شهدتا حركة وحدة قومية فتوحدت كل منهما تحت حكم دستوري، وكان الاعتقاد السائد أن الديمقراطية والقومية ستنتشران وتحلان كل مشاكل العالم السياسية.