الجزيرة العربية. لم تتوقف الجزيرة العربية عن المساهمة في الحضارة الإنسانية. فقد أسهمت مساهمة ذات طابع محلي واضح لم تخل من تأثيرات من الحضارات القديمة المجاورة، لما كان بين الجزيرة العربية ومواطن تلك الحضارات من اتصال يسَّرته وسطية الجزيرة العربية في العالم القديم. وقد انعكس ذلك بوضوح في آثار دلمون (البحرين وفيلكا وشاطئ المملكة العربية السعودية المقابل للخليج) وماغان (عمان) وجنوب الجزيرة العربية وشمالها. أما الطابع المحلي فقد وضح في العمارة والجوانب السياسية والدينية والاقتصادية والكتابة. فقد عرفت الجزيرة العربية مدنًا بمخططات معمارية محلية مميزة، اجتمع بعضها في أنظمة ملكية تسندها مجالس شورية، كما عرفت ديانات وثنية تعددت فيها المعبودات التي بنيت لها المعابد الخاصة بها بطرز معمارية من البيئة المحلية، كما في الجنوب والوسط، أو بتأثير خارجي، كما في الشمال. كما شهدت ديانة توحيدية في شمالها وجنوبها، كانت آخر رسالاتها رسالة الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي، التي أثمرت الحضارة الإسلامية التي تجاوزت الجزيرة العربية، ومثلت البيئات المختلفة التي انتشرت فيها. أما الاقتصاد فقد كان عماده الزراعة والتجارة. اعتمدت الزراعة على الأمطار بقنوات وسدود تتحكم في مياهها في بعض المناطق، كما كانت التجارة العالمية التي تمر بالجزيرة العربية، بحكم وسطيتها، مصدرًا مهمًا لاقتصادها، هذا عدا ما كانت تنتجه الجزيرة العربية نفسها وتصدّره. لذلك انتعشت الأحوال الاقتصادية بفضل تجارة الهند وشرق إفريقيا والشام وأوروبا المارة بها، برًا وبحرًا، جيئة وذهابًا، لما كانت تدرّه المكوس (الجمارك) المفروضة عليها. لذلك كان لابدّ للجزيرة العربية من عُملة وكتابة. فسُكّت العملة في الجنوب، برموز دينية وكتابة عربية بالمسند الجنوبي. وتبلور خط الكتابة في الجنوب، وعُرف بالمسند الجنوبي، غدت له فروع في الشمال والشرق من الجزيرة العربية.